الحوار الذي أجراه معي الشاعر صالح العامري في برنامج (في هواء الكتابة )

 


 إعداد وتقديم/ صالح العامري .. إخراج جمال الشعليلي 


(240  في هواء الكتابة الأربعاء 16 سبتمبر 2020  ح (  .

____________________________

حوار مع الشاعرة فتحية الصقري

______________________________

شاعرةً تربّي قصائدها على المحبة والتسامح/ تريد إكمال البيت الذي سيحفظ روحها من التلف/ تواصل تقليب قلبها، في مرجل الاكتشاف، في مرجل الألم/ ومع ذلك فهي أيضاً: تواصل تنظيف أذنها/ لتسمع أكثرَ وقعَ الحوافر، وصوتَ تفرِّقِ العصافير في روحها/ ولأنّها تريد إنقاذ حياتِها تغنّي/ وقد صارت صديقةَ الأشياءِ التي تسرق الصحو/ متعاركةً مع قلقها/ متمسكةً بفكرة الكتابةِ، وقتَ هبوبِ العاصفة، عاصفةِ الشوق بالتحديد.

صدر لفتحية الصقري عدد من الأعمال الشعرية، هي: نجمة في الظلّ، دار الانتشار، بيروت 2011، "قلبٌ لا يصلح للحرب، دار الانتشار، بيروت 2014، أعيادي السرية، دار مسعى، المنامة 2014، جمهور الضحك، دار مسعى، المنامة 2016، القفز في المنتصف، دار الفراشة، الكويت 2019، ولها قيد الطبع مجموعة شعرية سادسة بعنوان "يدٌ عالقة في الهواء"، فضلاً عن كتابها السابع، الذي هو بمثابة يوميات، يتقاطع فيها الشعري والسرديّ، كُتِبت بين عامي 2010 و2017 ويحمل عنوان "تعديلات أخيرة على صرخة مونك وموجة إيفان التاسعة". نرحب بكِ فتحية الصقري، في هواء الكتابة.

_______ رولا سعد - ساعات ساعات ________

   الشاعرة فتحية الصقري: تكتبين في مجموعتك "جمهور الضحك": "كأنني تائهة/ كأنني هشّة/ كأنني طوع نِداءٍ متخيَّل".

هل تصلح هذه الكلمات التي كتبتِها في نصك "رقصة غير مناسبة للفرح" ص38 في مجموعتك "جمهور الضحك" للتعبير عن مشروعكِ الشعريّ برمته؟ عن مجمل حياة الشاعرة فتحية الصقري؟.

بالطبع لا، لكل مجموعة حالة خاصة تختلف عن الأخرى  تعبّر عن مرحلة ما، تأتي بصورها وصوتها وموسيقاها ولغتها وطقوسها الخاصة، لكن كما قلت في حوار سابق عن هذه المجموعة بالتحديد: "كلُّ ما كنت أفكر فيه هو أن أقترب أكثر من اللازم، وأن أغيِّر وجهتي المعتادة، وأن أضخَّ قلب قلقي بالأوهام السعيدة؛ لأتمكّن من المشي، والتلفُّت، والكلام مع الأشياء التي لا تتعب من ملاحقتي، الأشياء الكثيرة المتحدة الملتبسة الغامضة المأهولة، والنظرة الملحَّة غير المستقرة، المتغيِّرة، و المجنونة بالعميق والأبدي، بشكل ما كنت ألهث خلف رغبة مجهولة، خلف متعة سكرانة؛ لألمس تلك القدرة المخدَّرة، بأصابع حرة، وكنت على أهبة الاستعداد لمواجهة ما لا يلين، ولا يرقّ، ما يكسرني، ويستفزُّني، ويجرحني، بالضحك واللامبالاة".

 

     لديك سبعة أطفال، أعني سبعة كتب، صدر منها خمسة أعمال، واثنان قيد الطبع. لقد أدخلتِ القارئ  بتلك الأعمال إلى فردوسك اللغويّ والجماليّ، لكنّه الفردوس المختلط بالجحيم، لأنّ كلَّ تجربة لا بدّ أنها طالعة من رحم معاناة ومن أتون أعصاب مستَنْفَرة ومستَفَزّة. ألم تكتفي بهؤلاء الأطفال السبعة؟ أم أنّ لعابَكِ مازال يسيل في طريق الكتابة، قائلا: هل من مزيد؟.

تستفزّني كلمة أطفال هنا أيضًا بالمناسبة

أما فيما يتعلق بالجزئية الأخيرة من السؤال، لا أنظر للكتابة على أنها مسألة اكتفاء واستمرار. ربما يشبه الأمر إلى حدٍّ ما، حاجة الإنسان للعناصر الأساسية للحياة، كالماء والهواء، وأستحضر ما قاله الكاتب  راي برادبيري: أنهي القصة، وأنطلق إلى صندوق البريد؛ لأضعها هناك، وأقول: " حسنًا أيها الموت، لقد سبقتك ".  ويمكن إضافة "حسنًا أيتها الأشياء القبيحة والشِّريرة، لقد ربحت الجولة".

 

 

     يرى الشاعر الروسي يفجيني يفتيشنكو بأن "سيرة الشاعر الذاتية هي قصائده، أمّا ما عدى ذلك فليس سوى تعليق، ومع ذلك فمن واجب الشاعر أن يقدم لقراءه مشاعره وأعماله وأفكاره على راحة اليد. وعليه أن يحظى بإمكانية التعبير عن حقيقة الآخرين، أن يدفع الثمن: بالكشف عن حقيقته من دون رحمة أو شفقة".

ما رأيك في هذه المقولة، سواء ما يتعلق بمجمل تجربتك باعتبارها "تأريخاً شعرياً للذات" وفضّاً أو فضحاً أو تعرية لها، أو بتركيزك على هذا الجانب- أي محاولة رصد السيرة الذاتية الشعرية وليس الكرونولوجية طبعاً- في نصوص بعينها، كما في نصّك "سيرة ذاتية" في مجموعتك الشعرية "القفز في المنتصف" أو كما نقرأ في نصّك "لم أنس شيئاً، لم أنس أحداً" في مجموعتك "يدٌ عالقة في الهواء"؟.

فيما يتعلّق بالسير ذاتي في الشعر، هناك فهم سابق لدى البعض، بأنه ينتمي للسرد، وربما يعود ذلك لدراسة تجارب معيَّنة معتمدة على السرد أساسًا،  لكن الفهم الجديد، يقول العكس تمامًا.

لا أفهم كيف يكون الشاعر صادقًا وحقيقيًّا، إن لم يكتب تجربته الحياتية والإنسانية ؟!

أعتقد انه عنصر مهم، ومكوِّن رئيس، كاللغة والموسيقا والخيال. وهذا طبعًا ليس له علاقة بالعزلة أو الوحدة أو بالغنائية أو الاستثمار والافتخار، كما يتداول الكثيرون قول سيوران:" قال لي أحد المرضى : ما الجدوى من آلامي ؟ لست شاعرًا، حتى أستثمرها، وأفتخر بها". ليس على هذا النحو طبعًا. 

"ما يكتبُهُ الشاعرُ هو سِيرتُهُ، حياتُه، فلسفتُه،ُ روحُهُ، حنانُهُ، قسوتُهُ، حبُّهُ، كرهُهُ، هدوؤُه، غضبُه.

كان مهندسًا، أو طبيبًا، أو نادلًا في بارٍ، أو نادلاً في مقهى، أو بائعًا متجوِّلًا، أو بستانيًّا، أو ساعيَ بريد، أو عاملَ نظافة". بروح الشعر وجمالياته وعذوبته الفريدة، وتقنيّاته التي تجعل  المتناهي في الصِّغَر عظيمًا ورائعًا.

 

 

        يكتب شارلز بوكوفسكي في قصيدته "رقصة الحياة": ".. بعضهم يفقد عقله ويصبح روحا: المجنون/ بعضهم يفقد روحه ويصبح عقلا: المثقف/ بعضهم يفقد الاثنين: المقبول اجتماعيا) أما فتحية الصقري فتُعرّف "الجنون" في مجموعة "القفز في المنتصف": "الجنون: كلمة مرعبةٌ ترِنُّ باستمرارٍ، داخل رأسي، مثلَ عُملةٍ مَعْدِنيّةٍ، أُلقِيَتْ للتوِّ على سطحٍ من الصفيح. لا أعرف شيئاً يمكنه مقاطعتُها غيرَ الكتابة". (تستدعين في كتابك صرخة مونك وموجة إيفان التاسعة، ما كتبه جورج بتاي عن العلاقة بين الكتابة والجنون: مَا يـرغِمُنِي عَلَى الْكِتَابَةِ، كَمَا يَتَهَيَّأُ لِي، هُوَ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ أَصِيـر مَجْنُونًا)

بهذا المعنى تقفين مع أولئك الذين يرون بأنّ الكتابة منقذ لهم من مآلات ومزالق حادّة كالانتحار أو الجنون.

لكن هنالك من يرى بأنّ الشعراء، على وجه الخصوص، هم غريبو الأطوار، أشباه مجانين، أو مجانين فعلاً، في فشلهم الذريع في فهم العالم المحيط بهم، في اللاوصول، في ذهاباتهم جهة المستحيل عوض الممكن، في رضوضهم الروحية التي لا أمل في الشفاء منها.

كيف تنظرين إلى هذه المقاربات، فيما يخص علاقة الكتابة بالجنون؟، أنتِ التي كتبتِ في مجموعتك "يدٌ عالقة في الهواء" بخيالٍ جامحٍ ومجنون "أفكِّرُ بابتلاعِ الشَّمس/ بخَمْشِ السماءِ وتلطيخِ وجهي بأزرقِها المتعدّد/ بالجلوسِ على الأسلاكِ بجانبِ العصافير/ بحمْلِ الغيمةِ البيضاءِ الصَّغيرةِ كحقيبةِ يد/ بتمريغِ جسدي الباردِ في الرِّمالِ السَّاخنة/ لن أقتربَ من خطِّ النِّهاية/ لن أقتربَ أبدًا".


لا أعترض على هذا أبدًا، وهذا ما يحدث بالفعل، بين هلالين "الشاعر شخص متقلِّب قلق ومتألم دائمًا" عبارة جورج باتاي التي تقول:" ما يرغمني على الكتابة، كما يتهيَّأ لي، هو الخوف من أن أصير مجنونًا) افتتحت بها كتابي "تعديلات أخيرة "، لا أعرف إلى أيِّ مدى يمكن القول عن الكتابة إنها ملاذ.

 كل شيء يؤلمني، هذا ما يمكن التعبير عنه، بطريقة أو بأخرى، نحن أمام مدٍّ هائل لا يمكن تفاديه، هذا كله على نحو ما يدعو للشفقة، هذه مجرَّد محاولات.

 لا أعرف من القائل:  عندما لا أكتب أصبح لا شيء، بل أشعر أن وجودي الإنساني يتلاشى، تختصر ربما ما أودُّ قوله. 

 

        في مجموعتك الشعرية "أعيادي السرية" تقدّمين الإهداء "إلى مبارك بن مختار/ أبي../ الرجل الذي رحل باكراً، برقّة زائدة في القلب"، وفي مجموعتك "يدٌ عالقة في الهواء" الإهداء إلى ناصر الظفيري في الذكرى السادسة لـ {أغاني امرأة وحيدة} وهو الروائي الكويتي الكندي الذي رحل عن عالمنا في مارس 2019، وفي مجموعتك "القفز في المنتصف" تُهدين نصوص الكتاب إلى حسين الموزاني، الكاتب العراقي، المترجم عن الألمانية، الذي رحل عن عالمنا في ديسمبر 2016، أمّا في مجموعتك "جمهور الضحك" الإهداء موجّه إلى "الحديقة الحيّة" (طبعاً يمكن أن تكون هذه الحديقة امرأة، أو ذات الشاعرة، أو حديقة فعلا).

المتصفّح للإهداءات التي تضعينها في مفتتح مجموعاتك، أغلبها لأشخاص غائبين، أشخاص مرّوا ورحلوا خفافاً عن هذا العالم.

هل هذه الإهداءات نوع من الامتنان الشديد لحضورهم في حياتك؟ نوع من رجّ أو طعن فقدهم وغيابهم؟ توق لاستعادة أرواحهم؟

كلُّ إهداء له معنى مختلف، ولا يمكن وضعه تحت معنى واحد، الإهداء الأول كان له علاقة مباشرة بما يحدث داخل المجموعة، وليس تمامًا كما قال دو شازال :"نتذكَّر أرواح الآخرين، حينما يفقدون أجسادهم"؛ لأن ارتباطك بالآخرين تحدِّده نوع العلاقة بينك وبينهم. هنا لا أقول إنه تذكُّر متأخِّر مثلا، لا، بل يمثل وجودًا خاصًّا للروح، ولكل شيء مرتبط بها، هناك امتنان، ذكرى، مواقف، رسائل مشفَّرة، ومشاعر أخرى. 

العلاقات الإنسانية علاقات غامضة وملتبسة، ولا يمكن تفسيرها، أو توصيفها، وَفْق معطيات آنيَّة، هي أعمق من ذلك بكثير.

 

     يحسّ القارئ، وأنا أحدهم، بأن لغتَكِ منسابة، آسرة، تسري بخفة ورهافة، يشبه ما كنتِ تفعلينه بالكلمات "نملٌ تائهٌ أغيِّرُ وِجهَتَه بلطافة". ربّما ما يجذب القارئ نحو نصِّكِ هو لغتُكِ التي تنحو للسهل الممتنع، للوضوح الذي لا يُجبر الكلمات على اتخاذ طرق موغلة في الالتباس، في العتمة، في الضباب، على منوال تلك الشذرة التي اتخذتِها عنواناً لإحدى نصوصك، للمغنّي ديلان توماس، والتي تقول: "قاوِمْ، أنِرْ ثانيةً هذا الضوءَ الذي انطفأ".

في رأيك، كيف توصّلتِ إلى تلك المعادلة المرهفة في شعرك بين الوضوح الذي عبّرتِ عنه في إحدى نصوصك "وضوحي ينقص، وكلامي يتخذ شكل النار"، وبين العتمة، التي هي مرمى الشعر وتخومه وينابيعه الأولى؟.

 

 

 

 

كما أحب أن أرى الحياة ببساطتها، دون أيِّ زوائد مكلفة، أو شطحات .

 حياة منفتحة على المباهج والجماليات، قريبة من لغة العشب والعصافير، والغيوم التي تعبُر وتتلاشى في سماء زرقاء واسعة،  بكلام خفيف، ينمو على الشرفة في نهار سعيد، وشذرة ديلان طوماس هنا، يمكن القول بأنها تلك القوة الخفيَّة التي تدعوك  للاستمرار، واستقبال  يوم جديد.

 

        الشاعرة فتحية الصقري، تكتبين ص 53 في نصّك "ماذا تفعلين في غيابي؟" في مجموعتك الشعرية "جمهور الضحك":

"أتمسّك بفكرة الكتابة/ وقت هبوب العواصف/ عاصفة الشوق بالتحديد"

هل لا بدّ من محرّض جارف، من إغواء استثنائي لكي تقومي بكتابة نصّك؟ هل تكتبين أيضاً في لحظات الوهن، أو الكسل، أو السأم؟ أم أنّ فعل الكتابة مستمر ومتدفق حتى في هذه الحالات؟.

تحدثت مرة في قراءة سابقة،  أ. صالح، عن الأفكار وأجراسها اللامرئيَّة، نعم، هذه الأجراس لا تتوقف، لديها مهام يومية، منها استفزاز الصمت، وايقاظ الجميع بضجيجها المتواصل، وإجباره على فتح الزنازين، وإخراج كل السجناء دفعة واحدة، كمن يستخدم القوة لتمرير صفقة

أما عن الإغواء فهي لحظة لا يمكن وصفها بدقة، غامضة غير قابلة للشرح والتفسير، هناك دائمًا سهام رفيعة تنسلّ ببطء، تخترق الروح، وعليك مهمة نزعها بالطريقة المناسبة.

 

        تكتبين "الفجر: بيتُ الروح الأوّل، ومفتاح بهجتها"- من مجموعة "القفز في المنتصف"، وأيضاً في مجموعتك "يدٌ عالقة في الهواء تكتبين: "أسمي الساعة الخامسة صباحا: مقهى الحُبّ.

هل ذلك يشي بأنّك تفضلين وقتاً معيّناً للكتابة؟ أم تعتقدين بأن كلّ الأوقات مناسبة للكتابة متى ما نزل الإلهام أو تلبّستِ بالحالة الشعرية؟.

ليست كل الأوقات مناسبة للكتابة، بالطبع؛ لا أستطيع الكتابة مثلا وسط الضجيج، بحضور أصوات خارجية في المقهى، أو في غرف الانتظار، أو في مكان العمل ، أحتاج في لحظة الكتابة للإنصات  لما يحدث في الصمت؛ الصمت الطويل  الذي يستمر لأيام، أحتاج للمشي على وقع الأصوات التي لا يسمعها أحد سواي، ويتطلب ذلك غرفة مغلقة، وصفحة فارغة، وأصابع متأهبة للرقص دائمًا، هكذا عندما تغمرني تلك اللحظة، كمن يرغب بإنقاذ شخص ما، دون أن يراه أحد، وقت الكتابة، يأتي بلا استدعاء مباشر.

لكن هذه المساحة تشبه فصلًا دراسًّيا نظيفًا غير مقيَّد،  يدفعك  للبحث والاكتشاف والتأمل في جوهر الأشياء؛ لتخرج بنتائج تساعدك على المشي، وتخلق لك مسارات جديدة، تحوِّل كمية الغضب والقلق والتساؤلات إلى قوة.

 


        تكتبين ص 18 في "فوّهةٌ تريد أن تقول شيئا" نصِّكِ الأوّل، في مجموعتك "أعيادي السرية": "هذا الاسم المكتوب/ أعلى كلّ صفحة/ هذه الصرخة اللاإرادية/ لخمسة أحرف/ فـ تـ حـ يـ ة/ لماذا تُطلِقُ عليَّ عشوائياً/ ودونَ تروٍّ/ كلابَ الأسئلةِ واللانسيان؟".

هذه الأسطر تذكّرني بالشاعر الفرنسيّ برنارد نويل، الذي يكتب عن ما يسميه "مدى الاسم"، وهوالذي يكتب أيضا، في هذا السياق، "لم أعُدْ بعدُ شخصاً، أنا اسمي" و"من له اسمٌ يُصبح شفّافاً لنفسه، يخترق ذاتَهُ، ولكنّه عندئذٍ بليل الآخر يلتقي".

كيف تنظرين للاسم، أو ما هي الطريقة التي ترين بها أو تقرئين بها الاسم؟ هل هو مشجب مثلا؟ عَلّاقة؟ تكئة؟ عتبة؟ حضور؟ جدار؟ أم ماذا؟.

لو لم يكن لديك اسم كيف كنا سنشير إليك؟ لو كان لكِ اسمٌ آخر، فماذا يمكن أن يكون؟!.

مع الاسم المكتوب، ينتابني شعور بالفزع، تصاحبه رغبة بالحذف والإلغاء، أريد أن أمشي بلا اسم بـ(طاقيِّة الإخفاء)  كائنًا مجهولًا  غير معروف، ولا يشير إليه أحد .

   تكتبين ص26 في "أعيادي السرية": "كلانا/ في حالة انجذاب/ الغامضُ وأنا/ حيث ما كان/ كنتُ/ حيثُ ما كنتُ/ كان".

هل جاء هذا التعاشق أو التعالق مع الغامض من طبيعة الشعر نفسه؟ أم أنّ لديك دوافع أخرى في الاحتماء بهذا الغامض وفي الانجذاب إليه؟.

الغامض حاضر في كلِّ شيء أتعامل معه، تقريبًا، عندما ألتقيه، أو يعترض طريقي فجأة، يدفعني للفضول حول ما يخفيه، حول ماهيَّته الحقيقية، ومعناه، وما الذي يريده؟ إنها حالة تشبه المدَّ والجزر،  تشبه تلك الرغبة الهائلة التي تهزُّك لمعرفة من يمسك بك، أحيانًا، أدخل  بمحض إرادتي في لعبة مسلِّية، أنتظر نهايتها، بشغف الأطفال في اللعب؛ لأخرج بلذَّة الاكتشاف، أو بخيبة عدم الوصول لنتيجة مرضية، كالشعر تمامًا.

 

        تكتبين: "هذا ما تملك: زورارقُ هشّة/ وغرفة بإضاءة مؤقتة".

إذا كانت تلك حدود مُلكيّة الشاعر(أي أن يملك)، فما هي حدود كينونة الشاعر (أي أن يكون)؟. 

لم آتِ إلى هذا العالم لأَضيع في جانبه المادِّي الجشع، أو لأحقِّق ثروة،  أو لأجعل لنفسي شأنًا يناقض السموَّ الروحي والأخلاقي، وحقيقة الوجود الإنساني، الأشياء البسيطة التي تحدث في يومي، بدءًا من كوب الشاي، والهواء، و النافذة،  إلى منظر طبيعيٍّ على شاطئ القرم، تجعلني ممتنَّة وسعيدة .

 

        كررتِ أكثر من مرة مشهد تفرُّق أو فرار العصافير. في ص 14 نص "فوّهة تريد أن تقول شيئاً" في مجموعتك "أعيادي السرية" تشيرين إلى "صوت تفرّق العصافير في روحي"، وفي ص 47 في نصّ "ارتطام": "فرار عصافيرَ دَفعة واحدة/ من أغصان شجرة يابسة"، كما تخصصين نصّاً عن "عصافيرَ تائهةٍ في الفضاء".

يبدو أنك مبهورة بهذا المشهد. هل له علاقة بواقعة ما؟ بافتتان سينمائي مثلا؟ أو له علاقة بطفولتك؟ أو بتأملاتك في الطبيعة؟.

 

آه أنا مغرمة بمشهد تحليق الطيور، منذ طفولتي، أراقب تلك الخفَّة في الصعود والهبوط، ذلك الانفلات الآسر، وذلك الصوت الذي تحدثه رفرفة الأجنحة، كمن يتابع مسلسلًا طويًلا، أو فيلمًا سينمائيًّا، لا تنتهي منه بمجرَّد الضغط على زر الإغلاق. كنت دائما ضدَّ قنّاصِّيها، ويؤلمني مشهد سقوطها على الأرض، اصطدمت كثيرًا بمشاهد كهذه، أتسمَّر أمامها لفترات طويلة، وآخذها معي، كنت أتصور دائمًا أنها ستعود للحياة، وكنت أتلقّى توبيخًا على هذا الفعل.

مغرمة بالطبيعة، أيضًا طفولتي التي كانت مشغولة باللعب، محاطة  بأشجار المانجو والنارج والليمون، وأساور الفل والريحان والبل التي كانت جدتي تصنعها لي، أيضًا بالركض في المزارع والتأرجح بسعف النخيل، والغرق في مياه الأمطار والأفلاج، كلُّ هذه المشاهد لا تخلو من صورة طائر يعبُر الفضاءات، بجناحيه وأحلامه.

 

        البيت كما يصفه غاستون باشلار "يحمي أحلام اليقظة، والحالم، ويتيح للإنسان أن يحلم بهدوء... البيت جسد وروح، وهو عالم الإنسان الأول.. وإذا طالعناه، بألفة، فسيبدو أبأس بيت جميلا".

فتحية الصقري تكتب ص 22 في نص "أنتظر كل يوم حجراً جديدا" في "أعيادي السرية": "لا تتوقّفوا/ أنتظر كل يومٍ حجراً جديداً/ لأكمل بناء البيت/ البيت الذي حماني/ من الغرق في المستنقع". وفي قفلة النص ذاته ص 25 تكتبين: "أريد إكمال البيت/ الذي سيحفظ روحي من التلف". أو في ص 79 في نص "ثقب قديم في السقف": "الحزنُ في أوّله/ اصمدْ يا بيتي الهشّ/ اصمدْ يا حلمي". وفي ص 108 في نص "عودة غير متوقّعة: "سمحتُ له/ بالاتصال بي/ بإرباك غيابي المتعمّد/ بتطوير فكرتي الغضّة/ بأن أبنيَ آخرَ بيوتي في قلبه".

إذن فالبيت في هذه المقاطع من تجربتك الشعرية يؤدي دوراً حِمائيا، ضد الغرق، ضد التلف، ضد الهشاشة، وهو موطن أصدقائك الذين ينامون ويستيقظون فيه معك، أي: الكتب والموسيقا والشعر والانترنت.

هل أشباح الآخرين وأطيافهم هي التي ألجأتكِ إلى توثيق علاقتك بفكرة البيت؟ هل عزلتك الاضطرارية حينا، والاختيارية حيناً آخر، هي التي ألجأتكِ إلى التشبث بحضن البيت أو الغرفة، كما يشي عنوان نصّك "أنتظر كلَّ يومٍ حَجَراً جديدا؟ خصوصاً وأنّك تكتبين في نص "أمسح عن صوتي الغبار" ص59 في "أعيادي السرية": "العزلة/ بيتٌ كبيرٌ وواسع/ ضجيجه أقلُّ وأنقى/ فرصة للذهاب/ لما هو أعمق/ لما هو أهمّ".

 

فيما يتعلق بالشقّ الأول من السؤال، البيت هو تلك المساحة الواسعة من الحرية التي تمضي بك إلى حيث تحب، دون أيّ تعليقات ساخرة، دون تنمُّر، دون أيّ إملاءات، أو وصاية، تكون فيها الأنا نقيّة شفّافة، تراها كما هي، لا يجبرها الخوف على ارتداء الأقنعة؛ لطمس صورتها الحقيقية. أما بالنسبة للعزلة  فليست تلك العزلة الخالية تمامًا من الآخرين، ربما هنا هي تلك العزلة التي تخصّ الكتابة.

أعيش مع ذات متعدِّدة،  لست شخصًا واحدًا، هنا أقرأ على مهل، كلّ شخص على حدة، هذه اللحظة الخاصة تستدعي هذا النوع من العزلة، أما في العزلة التي تكون خارج اللحظة الشعرية فهناك تماسٌّ غير مباشر مع الآخر، من نافذة صغيرة، يمكنني مشاهدة كلِّ شيء.

ودائمًا، كما قال بيسوا:" إنني أشبه كائنًا من عالم آخر يمرُّ مهتمًّا بهذا العالم، دون أن يعرفه أحد".

 

   تكتبين "من العادات السيئة/ التي أدمنتُها/ تقشيرُ كلِّ لحظة تمرّ/ وتفكيكُها بعناية فائقة".

في المقابل، ماذا عن عاداتك الحسنة؟.  مواصلة الإدمان  على هذه العادة السيئة

 

 

     هناك احتشاد هائل من المقولات والشذرات وكلمات الأغاني وعناوين الكتب واللوحات والمقاطع الشعرية في نصوصك. تتوزّع تلك الاقتباسات أو التضمينات بين المقولة كما في مقولة ديفيد هربرت لورانس: "النصر الأكبر للإنسان، كما هو الحال بالنسبة للزهرة والوحش والطائر، أن يكون مفعماً بالحياة" أو مقولة إيريك فروم من كتابه "فنّ الحب": "أنا أحتاجك لأنني أحبّك"، أو إرنستو ساباتو: "أعتقد أنني أنتمي إلى سلالةٍ تتلاشى، أؤمن بالمقاهي، أؤمن بالفن، أؤمن بكرامة الفرد، أؤمن بالحرية"، وبين الشذرة كما في اقتباسك الشذري لدايلان توماس، تلك الشذرة التي وضعتِها عنواناً لإحدى نصوصك، والتي تقول: "أنِرْ ثانيةً هذا الضوءَ الذي انطفأ". وبين عناوين لوحات، مثلاً "شرفة على شاطئ البحر" وهي لوحة للرسام الروسي باتو دوغارجادوف، وأحياناً أسماء كتب مثل "الأعمال الكاملة" لـ "ريلكه"، وأحياناً أخرى مقاطع من أغاني مثل "الشوق صحّاني"، أو أغنية سانتوش كالمار، أو "أغار من نسمة الجنوب على محيّاك يا حبيبي" لأحمد رامي، وأحياناً مقاطع شعرية، من قبيل "بانبهار الأجنحة حين تنبسط في الفضاء"، من قصيدة "حجر الشمس" لأوكتافيو باث، أو "روحي أوركسترا خفيفة" من كتاب اللاطمأنينة، لفيرناندو بيسوا، أو "أحياناً، عندما يغيب شخصٌ واحد، يبدو العالَمُ كُلُّهُ خالياً من السُكّان" للامرتين، أو مقطع من أزهار الشر لبودلير، أو "ذراعاي التي تحضنك أغلقتُهُما، وكمن يدقُّ على قبر كنتُ أدقُّ على قلبي، لا تكتبْ، لا تكتبْ" للشاعرة الفرنسية مارسلين دي بورد فالمور)، بل وأحياناً مقتطف من حوار، كما في استدعائك لكلمات السينمائي الإيطالي بازوليني عن "قيمة الهزيمة".. الخ.

الاقتباسات والتضمينات التي أوردتِها من كُتاب آخرين أو من استلهاملتك لأعمال إبداعية مختلفة، ما الذي تمثله لك؟ هل هي إعجابات بتلك الاقتباسات؟ تعالقات لا بدّ منها؟ مفاتيح تتواشج مع نصك أو حالتك الشعرية مثلا؟.

كلُّ ما يرد في النصوص والقصائد من اقتباسات لومضات شعرية، ليس لمجرّد الإعجاب، طبعًا، هناك علاقة ما تربطها  بالنص، وربما حكاية، هذه الومضات حياة كاملة تلبِّي نداءات تفتح أبوابًا، وتخلق مسارات جديدة،  أستطيع أن أسمَّيه ارتباطًا روحيًّا، كالحب، لا تستطيع انتزاعه بسهولة، أو حتى تجاهله وقت لمعانه وتوهُّجه.

 

        كثيراً ما تستظلين بشجرة الغياب، مثلاً تكتبين "أمتلك كمّاً هائلاً من الغياب/ يكفي لرعاية الغزلان الصغيرة التي/ ستعيش أبداً في دمي"، وتقتبسين للنحّاتة الفرنسية كاميل كلوديل جملة رائعة تقول فيها: "يعذبني دائماً شيءٌ غائب". كذلك تكتبين: "حضوري وغيابي/ ممثلان بارعان لا يكفّان عن استفزاز صوتي/ وجرجرته/ لمناطق مزدحمة لا يحبها/ يتنافسان على البطولة المطلقة في الأفلام الغنائية/ يتحدثان عن ألم البقاء بمرارة واحدة".

كما لو كان قراؤك الممتنّون للشعر والثمار والقصائد، هنا الآن، تحت شجرة الحضور والغياب، خاصتِكِ، ماذا ستقول لنا فتحية الصقري؟.

 

الغياب يمثِّل جزءًا  في غاية الأهمية في حياتي، أنا غائبة معظم الوقت.  كتبت مرَّة :"أين أذهب؟ لا أعرف، مدارات الغياب تسحبني، والتجديف نحو اللاشي لعبتي المفضَّلة، كلُّ الأيدي التي لمستْ صوتي البارد في هذه الرحلات اليومية لمستْ طيفًا طريقًا طويلًا لا يؤدِّي إلى بيت، برقًا خفيفًا يضرب ليلًا أرضا فارغة، بلا كهرباء".

لا أعرف لماذا يحضر في بالي، الآن، هذا المقطع من "العيش في المياه العميقة".

أمشي بجانبِ الأشجارِ، وأنسى أنَّني عثرتُ على اسمي بالصُّدفةِ محشورًا بين فكَّينِ،

 أو (مُجعلكًا) على الأرضِ، إثْرَ قبضةٍ متوحِّشة،

أمشي، وأستعيدُ الصورَ الأخيرةَ التي

لا أعرفُ كيفُ ألتقطُها له، دونَ ألمٍ يُذكَر:

الكرة الكبيرةَ التي تضربُ الأرضَ والجدرانَ

التي تنخفضُ، وترتفعُ،

التي تلامسُ خيوطَ الشَّبكةِ المُعلَّقةِ المُرتجفة، وترتطمُ بقوائمِها المعدنية

القطَّة المُعذَّبةَ التي تتناقُلها أيدي المراهقينِ الكبارِ بشراسة

الاختباءَ، القفزَ، التربُّص،

اللعبة المحبوبةَ، والمشوِّقة، رغمَ كثرةِ الخاسرين

القطعَ الصُّلبةَ المُلوَّنةَ الشهيَّةَ في العلبةِ الكرتونيةِ التي تتحوَّلُ إلى كتلةٍ ليِّنةٍ مسحوقةٍ، بين فكَّينِ لا يتعبانِ من المَضغ

البرتقال المحفوظَ في السلَّةِ البلاستيكيَّةِ، بلونِهِ البرَّاق، وهو يتعرَّضُ للتقطيعِ والعصرِ؛ ليُقدَّمَ باردًا للضيوف.

كنتُ في كلِّ الأحوالِ شاهدًا صامتًا، يسجِّلُ ما يرى في دفترِ روحِه

لمْ أَمَّدَ يديّ

لمْ أفتحْ فمي

 

        يرد ذكر نزوى أكثر من مرة. في مجموعتك "أعيادي السرية"، تتذكرين جدَّكِ في نصّ "تحت كلِّ حجر وردة بيضاء" وتحديداً تدليننا عن حارة السيباني، وفي مجموعتك "جمهور الضحك" يرد في نصك "أصنع قارباً من نظرة غائبة": "روحي/ ذئبٌ يعوي/ فوق تلٍّ ينتصب وحيداً خارج نزوى".

كما نقرأ شيئاً عن مطرح ص 54 في نص "ماذا تفعلين في غيابي" حيث تلمحين قلبَكِ، كسائح أنيق، هناك في شوارع مطرح. وكذلك ص 72 "أتردد على محلّ بيه الزهور/ على الصُّوَرِ والكلمات والقُبَل، داخل غرفة مشتركة على شارع فرعيّ في سوق مطرح".

وتشيرين أيضاً في مجموعتك "جمهور الضحك" ص 110 إلى "رقة صفائح النور في شتاء جبل شمس".

أما في مجموعتك "القفز في المنتصف" فتكتبين: "عملية إتلافِ فكرةٍ قد تستغرق وقتاً أطولَ مما تتصوّر،/ كأن تقرِّرَ الذهابَ لجبل شمس، مشياً على الأقدام/ أو قضاءَ إجازِتِكَ في الجبل الأخضر، بين الجبال، صعوداً وهبوطا/في السلالم الحجرية الضخمة".

بقدر ما تستهويكِ الأمكنة، وتوظيفها جمالياً، يبدو أنّ الزمن هو الأكثر سطوة على نصوصك وعلى صوتك الشعريّ. يبدو أنكِ حذرة من استخدام وتوظيف الأمكنة، وتتعاملين في استدعاءاتها على بعد مسافة ما. هل من توضيح يتعلّق بهذا السياق، أي تعاملك مع الأمكنة في نصّك؟. هل يعود ذلك مثلاً إلى ما تكتبين عنه في مجموعتك "يدٌ عالقة في الهواء": "روحي فرشاةٌ ملوّنةٌ، لا تُبقيني في مكان واحدٍ أكثرَ من خمس دقائق"؟.

بيت جدِّي كان يقع بعد باب الصباح مباشرة، الباب الذي يؤدِّي إلى حارة السيباني، كنَّا نذهب كثيرًا إلى هناك، صعود السلالم الحجرية، وزيارة البيوت الطينية، والفلج الذي يمرُّ بينها، هذه صور تحضر دون استدعاء، في كلِّ مناسبة. كلُّ شيء هناك يفوق الوصف، مثلها مثل المواقع الأخرى التي تربطني بها علاقة روحية خاصة، والتي تصبح، فيما بعد، نجمة في سماء القلب، لا تنطفئ، ولا تغيب.

 هل لديَّ حساسية زائدة تُجاه الأشياء؟  كتبت مرَّة: "كلُّ شيء أصادفه، أو أتعامل معه، أو ألتقي به، يعيش معي طويلًا، ولا يمكنني طرده، يظلُّ يعذِّبني في مناماتي وصحوي. إنني أقع في غرام الأشياء بسهولة، وتلتصق بقلبي، وببالي بشكل مرعب.

   حسب الكاتبة الأمريكية جويس كارول أوتس، ترجمة سركون بولص: "ماذا" معطاة لنا مسبقاً ولا مفرّ منها في كثير من الأحيان، أما "كيف" فهي التي تملك المقدرة على كتابة نصّ مختلف ومغاير.

هل تتفقين مع جويس كارول أوتس بأنّه ليس المهم ما يُقال، بل المهم هو كيفية ما يُقال؟ (فيما يتعلق تحديداً بالكتابة الإبداعية، وعلى رأسها العمل الشعري، خصوصاً قصيدة النثر).

إلى حدٍّ ما، نعم، كيف هنا مهمة جدًّا. أعتقد أن الكتابة عن التجارب الإنسانية الحياتية؛ الكتابة الشخصية المتخلِّصة من الطرح الأيدلوجي، والتي تقع في اللاتشابه، لا تقلُّ أهمية عن القضايا الكبرى، وبحسب تعبير  لوركا: "لا يحتاج الشعر  إلى مهنيِّين مهَرة ، بل إلى عشَّاق". ويقول بورخيس:"أنْ نرى في الغروب حزنًا ذهبيًّا، ذلك هو الشعر ". لاحظ كيف يمكن أن تضعك هذه العبارة أمام مشهد حيّ. انظر كيف تنغرس في الروح، مثل عمود ضوئي.


        حسب بروك هورفت "استطاعت قصيدة النثر أن تقدم وسائل لقول ما لم يعد ممكناً قولُه، وكذلك ما لم يُقَل بعد، متيحة بذلك المجال لدخول أنواع متعددة من المحتوى "غير الشعريّ".

من الملاحظ، فتحية الصقري، انفتاح كتابتك الشعرية على الفنون الأخرى، الفن التشكيلي، الموسيقا، الرقص، الغناء، السينما، فن القصة..الخ، هل تجدين في هذا الحوار مع (المحتويات غير الشعرية) إثراء لقصيدة النثر التي تكتبينها؟.

لا يحتاج الشعر إلى كلِّ هذه القوانين والاشتراطات التي ُيقذَف بها، بين الحين والآخر، إلى كلِّ هذه التأويلات التي تحاول دائمًا جرَّه إلى المشنقة، إلى ذلك القول الجامد والمتصلب، إلى تلك النظرة التي تتعامل مع الكلمات، كما يتعامل الشرطي مع مخالف للقانون.

   أعتقد أن كلَّ ما يدخل في سياق النص الشعري، من كلمات يصبح جزءًا منه، هذه الكتابة  تواجه الاتهامات، ربما لأنها خالفت ما اعتادت عليه الأذن العربية، تخلّصت من الايقاعات الثقيلة والمفردات القاسية، هذه الكتابة تمشي على أرض منبسطة، تعيش في الزمن الذي ولدت فيه، تلمس الواقع والمَعِيش بخفة، وليس بالضرورة أن تكون "محبوبة الجماهير"، هي لمن يشعر أنها شيءٌ من روحه وزمنه.

 

        يحضر الرقص والموسيقا كثيرا في نصوصك، من بينها "الرقص بقدمين عاريتين في ممشى حارّ" ونصّ "رقصة غير مناسبة للفرح" ص32 في "جمهور الضحك". / موسيقا الثانية صباحاً ص85/ "ثمة موسيقا تُواصل في قلبي مَلْءَ كؤوسِ الوردِ بالضوء/ يهوي ربيعٌ سريٌّ في راحة يدي" ص117/ وتعرفين الموسيقا في مجموعتك "يد عالقة في الهواء" بأنها: "جرحٌ أبديٌّ في شفة الوقت"/ بالإضافة إلى حضور مقاطع من أغانٍ، وسقوط حديقة كاملة من الأغاني على الرأس، في مجموعة "القفز في المنتصف".

ما سرّ هذا الانفتاح على الرقص والموسيقا والغناء؟ هل ترين بأنّ هذه الفنون الأصيلة ينابيع ثرّة وروافد للجمال والحب والحرية والكتابة؟ وأنّها تقدّم عزاءات لا بدّ منها في هذه الرحلة، التي اسمها الحياة؟.


لأجيب على هذا السؤال  عليَّ أن أعود إلى الماضي.

كان أبي عاشقًا لفن الرزحة العمانية، كثيرًا ما كان يصطحبنا معه، عندما يذهب للمشاركة في مناسبات تحتضن هذا الفن. 

كنتُ أشاهد ذلك التدفُّق الهائل الباعث للبهجة، وأتأمل  ذلك الصوت الجماعي الغنائي الموحَّد، وذلك الانسجام والتناغم، والميَلان مع النغمات المنسابة المتداخلة، مع تدفُّق وانسياب مياه فلج الخطمين. 

البيت أيضًا  كان يمتلئ بالموسيقا والأصوات الغنائية،  صوت سميرة توفيق، وأبوكر سالم،  وناظم الغزالي،  كانت الأيام تأخذ طابعًا احتفاليًّا، وأتذكَّر أنه كان يقول باستمرار: "سلِّي لنفسك، إن قدرت عليها، ولا تكن أنت والزمان عليها". ربما زرعت هذه الأجواء والمباهج المبكِّرة في نفسي معنى مختلفًا للحياة، عمَّا كان سائدًا في البيئة المحيطة. مع الأيام صرتُ أستخدم هذه الورقة؛ لتشتيت ما يمكن أن يتسبَّب بتعكير يومي، كالهجمة المرتدَّة،  بلغة الرياضيِّين، تُجاه أيِّ عارض مزعج، وكما قال أسعد الجبوري: "الرقص عيدٌ بلا تكاليف".  

 

        هنالك من جرّم الضحك أو ازدراه أو أدانه بدعاوى الجِدّية والنظام والوقار والثِّقَل، إلا أنك ترين بأن الضحك بمثابة "احتجاج علني مُلِحّ على القبح الذي يأكل العالم بشراسة"، حسب ما ورد في نصّك الأول الذي جاء بمثابة الإهداء في مجموعتك "جمهور الضحك".

لماذا يقلق الضحك البعض؟ ولماذا للضحك أكثر من وجه أيضاً في تجربتك، فضلاً عن أنّه احتجاج في وجه القبح؟ مثلاً يمكننا أن نقول بأنكِ تقدّمين مراثٍ لهذه القيمة الجمالية العالية، كما في صفحة 18 و19 من مجموعتك،  وتحديداً في نصّ "مقابر جماعية للضحك".

بغضِّ النظر عن معناه في سياق الكتابة والشعر.
الضحك الآن صار أمرًا مستغربًا لماذا تضحك ؟ يبدو سعيدًا، ما المناسبة ؟ كل ما يشير إلى بهجة ما، تُترَك خلفه علامة استفهام. تطور نمط الحياة المتصلة، بشكل مباشر بالمرئي والمسموع، تعدُّد النوافذ الإخبارية  في عالم أشبه بثكنة عسكرية مليء  بالنزاعات والحروب والكراهية والجرائم والأمراض  والفقر، كل شيء صار قريبًا جدًا منِّا، ويصل حتى بلا بحث أو طلب  إلى غرف النوم . كل هذا يجعل الإنسان  أكثر قسوة وتجهُّمًا، وتجعله في حالة تأهُّب دائم للغضب، جاهز للهجوم والتعدِّي والقمع.
كيف يمكننا التخلُّص من هذا الضغط الهائل الذي يسحق كلَّ شيء تحت عجلاته المسرعة، إن لم نخترع ما يساعدنا على الثبات والتوازن، وعلى مدِّ النفس بما يعينها على ما تواجه من مشقَّات ومحن ؟

 هكذا كلَّ يوم، مثل من يحاول مسح الغبار عن مرايا روحه؛ لتبدو قادرة على الرؤية، وتذوُّق كلِّ ما هو جميل ومبهج .

 

     "جمهور الضحك" من المجموعات الشعرية الملفتة، إلى جانب مجموعاتك الأخرى طبعا. ويبدو أنّك في مجموعة أخرى هي "يدٌ عالقة في الهواء" تبوحين بشيء هامّ عن الضحك حين نقرأ لكِ:  "همسةُ رابليه تدقُّ رأسي طوالَ الوقتِ بدَوِيِّها الناعم: لكلِّ عِلَلِكُم أُعطيكم الضَّحِك".

تساؤلي هنا عن عنوان كتابك "جمهور الضحك"، حيث يبدو كما لو كان متملصاً أو مراوغا، يحيد عن التأويل المباشر، خصوصاً وأنك توضحين في نصك (وجود) بأنّ الحياة هي الضحك، أما الجمهور فهو الكلمات المتراصّة والمتعاضدة والراكضة والملتحمة والمتحدة معاً في نصوصك، وبهذا يمكن أن نقول بأنّ جمهور الضحك، أي العنوان، يعني "كلمات الحياة". كيف ترين إلى الفكّ والتركيب اللعبيين في اختيار عنوان كتابك؟.

كثيرًا ما يشغلني اختيار العنوان المناسب؛ لأنني أفضِّل أن  يكون متصلا بالثيمة الرئيسة لمحتوى الكتاب، أحيانًا للكتاب الواحد أضع مجموعة من العناوين، وفي كلِّ مرّة أختار فيها عنوانًا اتركه، وأغيب لعدَّة أشهر، أو عامًا في مرَّات كثيرة .

 اللعب في حقل اللغة بالمفردات، وجني ما يتفق وروحي في تلك اللحظة، أمرٌ في غاية الأهمية، بالنسبة لي .

 

     تكتبين في "جمهور الضحك" نصّا بعنوان "قصة قصيرة"، وفي المقابل هناك نصّ آخر بعنوان "ثلاث قصائد" ص 24 في المجموعة، هو أقرب ما يكون لقصة قصيرة، قصة حلمية، فنتازية، واقعية سحرية، (سمِّها ما شئتِ). بذرة القصة: "غياب رجل عن حبيبته لمدة سبعة أيام، خلال هذه الفترة تلد المرأة ثلاثة أطفال، نكتشف بأنهم ليسوا إلا ثلاث قصائد، وتختتم القصة/ القصيدة بالخوف من "سقوط ورقة اليوم الثامن من التقويم".

بهذا يبدو أنّ عنق الشاعر يمكن أن يتطاول في كلّ الجهات، في كل جنس أدبيّ، في كلّ خصوبة فنية. هل المخيّلة تمنحه هذه الميزة؟ أم أن اللغة الشعرية -في الأساس- تقوم على مثل هذه الترصدات والكشوفات والاجتراحات؟.

عن هذا النص بالتحديد (ثلاث قصائد ) كتب الشاعر عبد الزهرة زكي مقالًا في جريدة الصباح "عن العنوان وموقعه وقيمته في القصيدة " لا يتسع المجال لقراءته الآن.   

عنوان نصك "قصة قصيرة"، هل تخيّرته من قبيل مشاكسة الأجناس الأدبية الأخرى؟ أو لتوريط تلك الأجناس في لغة الشعر؟ أم هو توق فعلاً لكتابة القصة القصيرة، حتّى وإن كان ذلك في كتاب شعري؟

بالنسبة لعنوان هذا النص "قصة قصيرة" لا ليس توقًا لكتابة القصة، هو أقرب للمشاكسة، لكن يمكن أن يتشكَّل النص بطرق كثيرة، عندما يكون لديك مساحة شاسعة لا يحدُّها سياج، ولا يغطِّيها سقف

نصّك "الوجود" يذكّرني بتلك الرسائل التي يمكن أن تكتب، ثم تولَجُ في زجاجة، لكي تعبر المحيط. تكتبين: "فكّي الحبلَ الملتفَّ حول عنقكِ/ تخلّصي من فكرة تصحيح الخطأ/ الحقيقة بضاعة مغشوشة/ قولي إنّ الحياة هي الطريق الوحيد للضحك".

هل هذه الرسالة، المختومة باسم "الوجود"، موجّهة لفتاةٍ أخرى كنتِ تخاطبينها؟ أم أنها موجّهةٌ إليكِ أنتِ؟

قلت مرّة، في حوار سابق مع جريدة الحياة : "في الكتابةِ ألتقي بكلِّ النساءِ اللواتي يعشْنَ فيّ .

أتناولُ قصصَهنَّ واحدةً واحدة، نتبادلُ البكااءَ والضحكَ والقسوةَ والحنانَ والحبَّ والكرهَ والغَيْرة. أتعرف على ماهية الصوت الذي أُمسك به، في الإنصات العميق أحياناً تكون هناك حاجة ملحّة  لاكتشاف شيء ما / حياة، قلب، صديق، حب،  وطن" واكتشافات أخرى كثيرة. في الكتابة أصبح أكثر من أنا واحدة هل هذا هو الملعب الوحيد المتاح لدي لممارسة اللعب بحرية ؟  أو الممشى الوحيد الذي يمكنني فيه المشي والجري دون خوف وقلق ؟

 

        في نصّك "مقابر جماعية للضحك" تستهلينه بهذا السطر "لقائي الثالث بكانديد" أي أنكِ تقرئين كانديد للمرة الثالثة. (كما هو معروف كانديد حكاية فلسفية كتبها فولتير عام 1759)، في الفقرة قبل الأخيرة تضعين بين مزدوجتين جملة المزارع التركي "يجب أن نعتني بحديقتنا" وهي الجملة التي وردت في نهاية حكاية كانديد، "لكن علينا أن نحرث حقلنا"، أو "يجب أن نعتني بحديقتنا".

كيف تنظرين إلى التوظيفات المباشرة للأفكار والنظريات والنصوص بإزاء الاستبطان والاستشفاف والهضم لفكرة ما أو نص ما، وتوظيفه كما فعلتِ في نصّك "مقابر جماعية للضحك"، فيما يتعلّق بحكاية كانديد وفكرة الاعتناء بالحديقة.

مرّة أخرى، لا ليس الأمر هنا إعجابًا بومضة، بل هناك ارتباط بين الومضة المذكورة وسياق النص،  هذه ليس ومضات، أو اقتباسات عابرة، بل تصبح جزءًا من النص متصلة به، وليست مجرّد ومضة، لا معنى لها، ولا وظيفة.

في المقابل، أحياناً تذهب بكِ الإعجابات إلى مجرَّد ذكر عبارة ما أو كتاب ما، دون أن يكون للنص وشائج أو تعالق بهما. مثلاُ "التفاحة التي سقطت من يدي، واستقرت بجوار كتاب "الحب كلب من الجحيم". 

 

في هذا النص، عندما يُقرأ كاملًا تتضح الصلة، أو الرابط بين التفاحة التي سقطت وكتاب "الحب كلب من الجحيم".

  

        عرّفتِ قلقَكِ في نصّك "تحولات اليوم الغائب" ص 51: "قلقي: عُواءُ مجموعةِ ذئابٍ محتجزةٍ داخل قفصٍ في حديقة حيوانات"، وفي نصّك "قوارب وحبال" ص45 في (جمهور الضحك) تؤنسنين القلق. القلق ليس مجرد شعور يهبط على الكائن، على الشاعر، ليس مجرد لَبوس يتلبّس به، ليس مجرد رَكوب (قارب، جواد، سفينة، طائرة، مقعد) تحركه الريح يمنة ويسرة، بل القلق هنا، كائن حيّ، تتقاذفين وإيّاه السباب والشتائم، تتقاسمين معه الصمت والصراخ، العِراك والكتابة.

القلق هنا، رغم شدة وطأته، يتحوّل إلى طاقة خلاقة، تتبادلين معه الأدوار؛ لكي يُنْجَزَ النصّ. هل يشعرك ذلك بالراحة؟ هل تنتقمين أكثر بهذه الطريقة من القلق؟ أم أنكِ تحاولين ترويضه؟ أو مهادنته على الأقل؟.

كلُّ شيء يصبح قابلًا للترويض، عند الشعور بالخطر، إمَّا أن تجعله صديقًا أو أخًا، أو حتى حبيبًا، وقد تحدث معارك خفيفة مع كلِّ هذه الأشياء التي لا تراها متجسِّدة أمامك، لكنها تعذِّبك، وتأخذك من مكانك، تكون كائنًا مختطفًا

  اللعب، في نهاية المطاف، يخلِّصك من عبء الاستمرار، وهذا ليس حلًّا نهائيًّا، بالطبع.

 

        نصك المعنون بـ "لخللٍ ما" ص 15 في جمهور الضحك، جدير بأن يكتب على وجه الضغينة، على وجه الحرب، على وجه الموت، على وجه الخذلانِ أيضا.

تشيرين فيه إلى مرضٍ عُضال، عاصف، مستفحل عند الكثيرين من أعداء الحياة، وهو (التشابه)، الداء الذي تمكّن من أولئك الموتى/ الأحياء، المرضى بالتشابه.

هذا النصّ أيضاً يختزن دعوة إلى تقدير الاختلاف، أفضل من عشرات المقالات...

لماذا تجدين التشابه مرضا؟ جديراً بالموتى وحدهم.

لا يمكن بأيِّ حال أن نتقبَّل حياة تسير على طريقة شخص واحد، الأمر، أحيانًا، كأن تصنع قالبًا واحدًا، وتُخرج منه آلاف النُّسَخ.  هناك من ينظر للآخر كفرصة سانحة للاستنساخ. تصوَّر أن تكون ملاحَقًا، أن يكون كلُّ شيء فيك ولك معرَّض للسرقة والاختطاف، أن ينسى الإنسان صوته الحقيقي، صفاته، طبيعة روحه، اهتماماته التي تخصُّه وحده. هذا مفزع ومستفز، ولا يحتمل، هناك خلل، خللٌ كبير  يحتاج إلى تشخيص، إلى عناية فائقة،  إلى إصلاح  .

        حضرتْ في  كتاب يومياتك "صرخة مونش وموجة إيفان التاسعة" عدد من اللوحات الفنية لفنانين عالميين، من بينهم إدوارد مونش، والذي كنتِ مهتمة من خلاله بهذا التداخل العميق بين الصورة والكلمات، وبذلك التزاوج الخلاق بين اللوحة الفنية والرؤية الشعرية.

حدثينا عن هذا التوق الذي انشغلتِ به في كتابك "صرخة مونك وموجة إيفان التاسعة"؟.

ينتابني ذلك الشعور الغامض الذي يقول أن الواقع المَعيش، الآن، حدث في وقت سابق، قبل آلاف السنين، هل جرّبت يومًا أن تعيش داخل لوحة ؟ هل هذا ما يحدث فعلاً ؟ أجدني هناك مع البحَّارة الذين يقاومون الرياح العاتية، والموج الغاضب في لوحة إيفان . ومَن يقف مكان صاحب الصرخة في لوحة مونك.

بدأتُ هذا الكتاب، كتدوينات يوميَّة، قبل سنوات، لكن حذفت منه الكثير من اليوميَّات والنصوص،  أكثر من نصفه ذهب إلى سلَّة المهملات . آخر نصٍّ أضفته كان عام .2017  .

 

        تشيرين في كتابك "صرخة مونك وموجة إيفان التاسعة" إلى عوالم الإنترنت، إلى ذلك المركب اللامرئيّ، الذي كان يطفو على بحر هائل، عبر (تجربة العيش مع حساب فيسبوكي يضم ما يقارب 10 آلاف صديق وآخر مكون من 140 صديقا).

هل أفادتكِ تلك التجربة؟ أم كما يقول أمبرتو إيكو عن الإنترنت بأنه "وسيط واسع وغشاش وفضيحة ذاكرة من دون غربلة، حيث لم نعد نميز بين الخطأ والحقيقة، لذلك قادنا إلى تراجع ثقافي".

 

أنشأت أول حساب على "فيس بوك" عام 2010، في ذلك الوقت، أي في بدايات ظهور مثل هذا التواصل الجديد، كان مرتادوه في حالة شغف وفضول تدفُّق بشري هائل، كانت الإضافات تصلني يوميًّا بالعشرات، لا أذكر العام بالتحديد الذي قرَّرت فيه إغلاق الحساب، وإنشاء آخر أكثر خصوصية، وأكثر هدوءًا، يعود ذلك أيضًا لطبيعتي، أنا  لا أحب الزحام والازدحام والصراخ والصخب، إلى جانب أنني لست مشتركًا فاعلًا فتحت حسابًا لأكون مُتابِعة، لا مُتابَعة .

وما قاله أمبرتو إيكو، صحيح إلى حدٍّ ما، وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب الإيجابيات، كالانفتاح على الثقافات والأصوات المتعدِّدة  في الفن والأدب والتكنلوجيا ... إلخ إلى أنه صاحَب ذلك العشوائيات والفوضى والمغالطات. صار كلُّ شيء متاحًا بسهولة، السيء والجيد، الحلو والمُرّ، الرديء والباهظ، وأما التراجع الثقافي فلا يعود السبب فيه إلى مواقع التواصل وحدها، يعتمد أيضًا على الحراك الفاعل والنَّشِط، داخل المؤسسات والأوساط الثقافية، على   

وسائل الإعلام الرسمية والخاصة


https://soundcloud.com/oman_radio/hawa_alkitabah16092020 

رابط الحلقة للاستماع 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم