إلى أين نمضي؟
بدا الأمرُ، كما لو أني أتجوَّلُ في مزرعة ضخمة، قُطعتْ عنها المياه، منذ أشهر؛ لتأخُّر أصحابها عن سداد الفواتير، الشمسُ وحدَها على ما يبدو ظلَّت تشرق وتغيب، بفتور ومشقَّة، مثل عامل نظافة في مصنع للمبيدات الحشرية، لا أثرَ لشيء هنا سوى لقشورٍ لُبِّ عبَّاد الشمس المتكدِّسة على الحوافّ، لفحة الهواء الساخن المُحَمَّل بالغبار تضرب وجهي، من كلِّ اتجاه، السماء غيرُ مكترثة مغطَّاة بطبقات ضبابية رقيقة، تتجمَّع وتذوب في بعضها، أحوال الطقس تتنبَّأ بمنخفضاتٍ جوية لا تأتي إلى أين نمضي؟ لا أعرف، وما الذي علينا فعْلُه؟ لا أعرف، أتردَّد بين (تاريخ الجنون) لميشيل فوكو، و(سفينة الحمقى) لسباستيان برانت، و(عالم الصمت) لماكس بيكارد، أن تكون بعيدا وصامتا لا يكفي لتشعر أنك سعيد، ولا تشكو من شيء، لا تستطيع أن تغلق فمك، أو أن تمنع أصابعك من النقر على الكيبورد، للاعتراف بأن هناك شيئا ما يحفر في أعماقك، يصفعك، ويطعن باطن قدميك، كلما حاولتَ المشي آلافُ المدن تنهض من موتها في نومي، آلاف القضايا تنفتَّح ملفَّاتُها على طاولتي، ولا تنغلق، وجوه كثيرة...