المشاركات

ليستْ كلُّ الأشياءِ مسلّية

صورة
"ليستْ كلُّ الأشياءِ مسلّية" دار جدار للثقافة والنشر 2024   جاءت المجموعة في 102 صفحة من القطع المتوسط، وضمّت 36 قصيدة نثر اندرجت تحت ثمانية أقسام هي: الذي يتأكد من وجوده ثلاث مرّاتٍ يومياً، حروبٌ صغيرة، حيث لا صوت سوى ضجيج نفسي، تعديلاتٌ أخيرة، لأجل من أمشي في هذا الشارع، زقاقٌ ضيّقٌ وأغانٍ كثيرة، مركبٌ لا مرئي، أشياءٌ عالقةٌ في الفراغ.       من نصوص المجموعة:   "كنتُ دائمًا.. مثلَ هذه الأصواتِ التي تخرجُ هكذا، دونَ موعدٍ سابقٍ بيننا، مثلَ هذه الأصواتِ التي تجلسُ أمامَ مِرآتي، وتستخدمُ أدواتِ زِينتي، مثلَ هذه الأصواتِ التي ترتدي أجمَلَ ما عندي، تستقلُّ أقربَ تاكسي، وتخرجُ في نُزهة، مثلَ هذه الأصواتِ التي ترقصُ ببدلةٍ مزركشةٍ في الشارع، مثلَ هذه الأصواتِ التي تعاقبُ سوءَ الحظِّ والأوقاتِ الداكنةِ بمزيدٍ من صُورِ وفيديوهاتِ مِهرجانِ (هولي)، مثلَ هذه الأصواتِ التي برقصٍ خفيفٍ متواصلٍ تطفئُ أضواءَ العالم، وتديرُ مِروحةَ الألوانِ، مثلَ هذه الأصواتِ التي سمحتْ للريحِ الجائعةِ بالتهامِ ثيابِها الأنيقة".

«يد عالقة في الهواء»

صورة
 «يد عالقة في الهواء».. المسافة بين الذات الشاعرة وأخرى تطفو على الضوء  محمود حمد  ملحق جريدة عمان  الثقافي https://2u.pw/dSS4FwN لماذا يحاول الشاعر النجاة من ذاته بالخروج منها إلى مكان قريب يراقب ما يمسّ وجدانه؛ وكأنها لا تمتّ له بصلة على الرغم من حساسيته الشديدة، أو الخروج إلى ذوات أخرى تصاحبها لمجاورة الشعور بكل ما ينتج من هذه الحساسية تجاه الأشياء ومتغيّراتها. إن أقسى ما يمرّ به الشاعر هو عدم القدرة على تجاهل صمت الكون الذي يحوي صخبا شديدا ينشغل غيره بالصيرورة الظاهرة التي تفسّرها الملموسات أمام الرائي؛ دون أنْ يعني الآخرين أنْ تحمل هذه الصيرورة الكثير من أشكال المخاض المتعلقة بضرورة التّحولات الكونيّة، وهذه الطبيعة التي تشير إليها إليزابيث درو في ذاتيّة الشاعر «وييتس»؛ إذ يشعر أن شخصيّته أبعد ما تكون عن ذاتيّته، إلى درجة أنها تعيقه طوال حياته، بينما ايليوت يرى أن الشعر ليس تعبيرا عن الشخصيّة؛ بل هو هروب منها، وفي كل هذا اختلاف الشاعر في قدرته على الاحتراف بالسعي إلى الوقوف مقابل ذاته، وهذا كلّه مرتبط بالخصوصية المتعلقة بالإنصات إلى الذات والكون. فتحيّة الصقرية في مجموعتها الشعريّة

هوية الفرد في أزمنة المدن ج2

تطبيق سيميائي لنظرية “القارئ الضمني”   على ديوان “القفز في المنتصف” للشاعرة العمانية: فتحية الصَّقري الجزء (2)   حامد بن عقيل   مجلة الفلق    مستوى الاستذهان، مصنع الكذب:   مستوى الإدراك يتناول ما ذُكر في النصوص، لكن يليه مستوى الاستذهان لمعرفة ما لم يُذكر من خلال ما ذُكر، لأن النص الأدبي مهمته تحفيز القارئ الضمني ليخوض في النص ويقوم بتفعيله، وأن: “يجذب القارئ داخل الأحداث ويضطر إلى إضافة ما يفهم مما لم يُذكر. وما يذكر لا يكون له معنى إلا كمرجع لما لم يذكر. إن المعاني الضمنية، وليست ما يُعبّر عنه بوضوح، هي التي تعطي شكلاً ووزناً للمعنى” (أيزر، 1987: 10)، فقراءة النص تفعيل له، وتكوين للمعاني المثالية: “الموضوعات الواقعية ينبغي فهمها، والموضوعات المثالية ينبغي تكوينها، وفي كلتا الحالتين فالنتيجة نهائية من حيث المبدأ؛ فالموضوع الواقعي يمكن فهمه بشكل تام، والموضوع المثالي يمكن تكوينه بشكلٍ تام” (أيزر، 1987: 102)، وكل ذلك لا يتم إلا من أجل قراءة منسجمة للنص: “استجابة القارئ تتجسّد في شكل معانٍ وموضوعات جمالية تضمن للنص التماسك والانسجام” (سمير، 2005: 26)، إنها عملية تعاو

هوية الفرد في أزمنة المدن

  تطبيق سيميائي لنظرية “القارئ الضمني” على ديوان “القفز في المنتصف” للشاعرة العمانية: فتحية الصَّقري الجزء (1) حامد بن عقيل مجلة الفلق  إعادة إنتاج النّص: يتضمن كل عمل أدبي أو فنّي مستويين من الدلالة؛ مباشر ظاهر، وآخر ترميزي كامن، هذه هي النظرة التأويلية التقليدية للنصوص والآثار الفنيّة. وهي النظرة التي كانت فاعلة في قراءة وتحليل النصوص حتى سبعينيات القرن العشرين، حين تبلورت نظريات جماليات التلقي، وأصبحت حقيقة تطبيقية في الدراسات النقدية، وهي النظريات التي اقترحتْ مستوى ثالثا يضاف إلى المستويين السابقين لتحليل النصوص الأدبية وقراءة الآثار الفنيّة، المستوى الذي لم يكن مطروحاً للنقاش ولا للتطبيق، حتى على الرغم من “موت المؤلف” وقيام النص كأثر وحيد يتم العمل عليه. ذلك المستوى الذي كان مُغفّلا عند تناول النصوص ودراستها؛ ألا وهو مستوى جمالية التلقي بوصفه تفعيلاً للنص، فلم يعد مقبولاً الاكتفاء بمجرد وصف العمل الأدبي؛ لأن الوصف للعمل الأدبي لا يكون: “إلا تكراراً حرفيا للعمل نفسه، فهو يلاحق عن قرب أشكال العمل، بحيث لا يكوّن الاثنان شيئاً واحداً، فالوصف الأفضل للعمل هو العمل نفسه” ( تودوروف ، 19

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم

صورة
  صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم صباحُ الخيرِ، وأنتَ تُعيدُ ترتيبَ أوراقِكَ المُبَعْثَرةِ، وتُعدِّلُ هيئتَك صباحُ الخيرِ، وأنتَ تُزيحَ الستائرَ، وتفتحُ نوافذَ الغُرفِ المُوصَدة. صباحُ الخيرِ، وأنتَ تسمحُ للشمسِ بالدُّخولِ إلى كلِّ زاويةٍ من زواياكَ المُعْتِمة. صباحُ الخيرِ، وأنتَ تفرِّغُ دماغَكَ من النُّفاياتِ، وترسمُ بيديكَ مسارًا مستقيمًا وواضحًا لأيَّامِكَ المُقبلة. في هذا الشهرِ، بالتحديدِ، تبدَّلتْ ملامِحُكَ كثيرًا، استعدْتَ شبابَك فجأة،  أصبحتَ أكثرَ إشراقًا، كأنَّكَ لم تكنْ مريضًا وواهنًا، ومقموعًا. أنتَ، الآنَ، لستَ كما كنتَ، قبلَ أكثرَ من سبعينَ عامًا. بصيرتُك أكثرُ يقظةً، وصوتُكَ يشبهُ منارةً في سفينةٍ عملاقةٍ تجوبُ أصقاعَ الأرض. أخبِرْني، كيفَ يمكنُ لروحٍ حرَّةٍ أنْ تنقلبَ على طبيعتِها، وتستسلم؟ كلُّ نبضٍ حيٍّ فيكَ كانَ مُخدَّرًا بأنواعِ القهوةِ الفاخرةِ، ووجباتِ الهامبرجر، والمشروباتِ الغازيَّة،  تدفعُ فواتيرَ الحروب، وأنتَ مغمَضُ العينين، تبتلعُ كميَّاتٍ هائلةً من المُسكِّناتِ، والمضادَّاتِ الحيويَّةِ؛ لتعطيلِ فكرةِ عن النُّمو. مَطبخُكَ مليءٌ بما ي

بحر وعشب ودراجة هوائية

صورة
أوقاتي ممتلئة، في الغالب، وسفري دائم، لا أشعر كثيرًا بالملل، التفاصيل الصغيرة في اليومي والمَعِيش تعذِّب هشاشتي، وتهذِّبها، تعيد لنفسي شيئًا مفقودًا، أو غائبًا، أدخلُ كلَّ يوم، رحلةً جديدة، تبدأ عبْرَ حواسِّي وروحي، وتتوقَّف كاستراحة؛ لفلترة الأشياء، قبل هبوط الليل، هناك ما يبقى، وهناك ما يذهب، ويختفي، ويتماهى أحيانًا، مثل قطرة في محيط، أُدوِّنُ على ورقة جانبية: أنا كائنٌ لا يصلح لمظاهر الحياة الاعتيادية. أعيش داخل حلم، وخارج هذا الحلم لا أوجد. بيني وبين الآخرين جدارٌ من الخوف، وأبوابٌ بأرقام سرِّية، لم تقاطعني يومًا فكرةُ السفر إلى بلد آخر، بالطائرة، لأسبابٍ كثيرة، سخيفة أحيانًا، وغير منطقية، أحيانًا أخرى، لكن ما الذي حدث؟ لا أعرف حتى هذه اللحظة، لا أعرف كيف ذهبتُ، ولا كيف عدت. الأمر كان أشبه بترجمة حلم؛ إذ وجدتُني في إحدى الليالي بين جدارين في ممرٍّ ضيِّق، قليل الإضاءة، بجناحين أبيضين، أرتفعُ تدريجيًّا عن الأرض. بعدها بفترة قصيرة، قررتُ فجأة حجْزَ تذكرةٍ للسفر، وبدأت بتجهيز حقيبة سفري، وكعادة مرضى الارتباط العاطفي، بأصغر الأشياء التي يتعاملون معها، يوميًّا، ملأتُ حقائبي بكلِّ صغيرة و