من أجل لا شيء تقريبا*





"يودون لك الهلاك،من أجل لا شيء. وتود أن تنجو،من أجل ماذا؟....من أجل لا شيء تقريبا "*. 


انتهت الأعذار تقريبًا، ليس بمقدوري العيش وسط هذا الكم الهائل من العيون المفتوحة التي تتكدّس حولي، بكثافة عالية، وتحت سقف هذا الكلام الكثير الذي يحملني على كفَّيه إلى اتجاهات موبوءة. كلُّ ما يخطر ببالي الآن، أن أحدًا ما عن طريق الخطأ، على 
الأرجح ألقى من نافذته قطعة لحم نيئة، في مساحة مسوَّرة مخصَّصة للكلاب الضالَّة.


من أنا؟ ولماذا تحتفي كلُّ هذه الصور المعلَّقة في حيطان الصمت بكائن عدميٍّ، أقصى 
أمانيه أن يختفي فجأة، ويتحوَّل إلى دخان؟!


بمزيد من التلكُّؤ، أُلقي اللوم على الغبار؛ الغبار الذي استولى على كلِّ شي تقريبًا، تتحوَّل ساعات الصمت، مع الأيام، إلى أشواك، ما الذي يدفع هذا الكائن التحريضي الملوَّن لسرقة ظلِّي؟ ما الذي يدفعه إلى أن يصبح مهووسًا بهذا الشكل المرعب؟ بإنسان عاديٍّ مثلي:"رأيتك في الحلم، كنتِ تتخطين الحواجز الحديدية ... " "أنت امرأة جبّارة"، وفي مناسبة أخرى:"لماذا ينتحر من هم في قمّة المجد و الشهرة ؟" أصحو في أيام كثيرة 
بكابوس بقائي في غرفة العذاب هذه.


عيون كثيرة موزَّعة بكثافة على هيئتي الصباحية المتاحة في حيِّزها الصغير، تمرِّر  (سكانر)  فوريا لكلّ فعلٍ، أو حركة تصدر منّي، وكلُّ من يقترب مني فهو متهم بعلاقة غير شرعية، ومعرَّض للسرقة والاختطاف؛ لإبعاده طوعًا، أو كرهًا عن طريقي.
أوكلتُ لظلِّي مهمة حماية نفسه، واتَّجهتُ بسرعة، عبر ممرٍّ ضيِّق؛ لمشاهدة النظرات التي تحوَّلت فجأة  إلى ببغاوات. يا للهول هذا ما يحدث فعلا! ببغاوات تقلِّد مِشيتي، تصرُّفاتي، أعمالي التي أقوم بها يوميًا، تحفظ كلماتي العابرة، كما هي تردِّدها في لقاءاتها مع آخرين، ومعي في كثير من الأحيان، دون الانتباه لذلك، ماذا يمكن أن أسمِّي هذا 
الكائن الخارج عن طوره، الذي يلعب بانتباهي مثل كرة البولينج ؟


هناك عملية تعتيم واضحة للصورة الحقيقة، تحدث في الخفاء، الخفاء الذي لم يصل إليه 
أحد، حتى الآن  ليتعرَّف على حقيقة  الصورة التي تُحقن يوميًّا، بمزيد من الأكاذيب.
ياللهول! كم وجهًا هنا؟ امرأة محافظة، إمرأة متشدِّدة دينيًّا، إمرأة لا تحب الأغاني، إمرأة تريد أن تصعد إلى السماء بسلالم مسروقة، إمرأة لعوب، إمرأة تمارس غواية مكشوفة، وتتعرَّى سرًّا في الغرف المجاورة، لا بأس في هذا كله، لكن يا إلهي ما علاقتي بالأمر ؟ أيُّتها الأشباح التي صارت جسدًا واحدًا، اتركي حياتي تسير وفق ما هي عليه، بكائناتها البسيطة، وأفعالها المحدودة، ومحتوياتها الرخيصة. يا له من إحساس مرعب! ما الذي عليَّ فعله؟ كيف أبلغ الحدَّ المنطقي للتحمُّل؟ لم أُبدِ إطلاقًا أيَّ ردَّة فعل حقيقية، لما يحدث، تجاهلت كثيًرا مردِّدة بيني وبين نفسي، سينتهي هذا العرض السخيف قريبًا، لكنه سمح لنفسه بالتمدُّد أكثر من اللازم، لم أتعرَّض، في حياتي، لمثل هذا الشعور العدائي الممتزج بالشفقة تُجاه أيِّ أحد عرفت عنه، أم لم أعرف، كانت بيني وبين الآخرين دائمًا مسافة، بقدر ما أستطيع أسمّيها مسافة الأمان، تعاملي مع الآخرين كان دائمًا، وفق ما تتطلَّبه الحاجة الآنية، لظرف ما هذا الشعور بات يقلقني كثيرًا يكبر كل يوم حد بلوغه حدًا خطيرًا باستحواذه الكامل على وقتي أنها تجربة سيئة، في كلِّ الأحوال، لا يمكن تخطِّيها بسهولة. لم أكن أعرف إلى متى سيستمر هذا الانتهاك  لخصوصية إنسان حر يواظب على العمل، ويحتفظ بعزلته، في آن، إنه تدخُّل سافر ومؤذٍ، ومادة سامة تقتل كلَّ هدوء ينبت خلال هذه العاصفة، عبث همجيٌّ بمكوِّنات هذه الحياة البسيطة التي  لا تريد شيئًا سوى الأمان النفسي وراحة البال.

 لم يكن أمامي سوى خيارين: الجنون أو الانتحار. لم أطرح خيارًا ثالثًا، إلا بعد مضيِّ 
فترة غير قصيرة، قضيتُها في صراع بين الإنصات والمشاهدة، التجاهل واللامبالاة، انتهت  بانتهاء صلاحية الانتظار والسكوت، وبصق  طعمهما  المرّ، على طاولة المفاوضات، واستبدالهما فورًا بمغادرة باردة وسريعة، خالية من الالتفات والتوسُّل  ودموع الوداعات النيِّئة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم

ليستْ كلُّ الأشياءِ مسلّية