عن حصار كورونا ويوميات العزلة :)
برنامج #في_هواء_الكتابة حلقة الأربعاء 22 أبريل 2020 م
رابط الحلقة على برنامج الساوند كلاود
حتى هذه اللحظة لم أشعر بأعراض الملل،
حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها إليك لم ينجح ما يحدث في الخارج، من صراخ وشجارات
عنيفة ومعارك جماعية طاحنة بتسميم عزلتي التي تخطّت الأربعين يومًا ، طازجة
كالعادة، مثل رمَّانة قُطفت للتو ، مثل هواء جديد يهبُّ خفيفًا وباردًا، على
فزَّاعة وحيدة في حقل، تتداعى وتكبر مثل وصلة مطرية في صيف حار، لديَّ أعمال كثيرة
مكدَّسة، لم أبدأ بها بعد، كلما هممت بذلك يتدخل الكسل اللذيذ، بيننا بصورة
ودِّية، معلنًا اهتمامه بترتيب جدولي اليومي، هكذا ابتداء من السابعة صباحًا،
وبكمية كافية من الحب، يمرِّر كؤوس شرابه المُسكر على الساعات والأيام، يمكنني
البقاء في السرير، لمدّة أطول أكثر من المعتاد، بلا منبّه، وبلا أحلام، لا شيء
يدعوني للنهوض، سوى وقت الشاي الوقت الذي يعادل ساعة لعب في مدينة ملاهٍ
.
أكتب إليك، وعشر خطوات فقط تفصلني عن
الكنبة، تسع خطوات، ثمان، سبع، الآن خطوة واحدة؛ لتكتمل الصورة بجسدي الممدَّد على
الكنبة، ويديه اللتين تمسكان بـ (همت وحيدًا كحشد)
أسجِّل بصمة حضوري، باستدارة كاملة
لهالة الضوء الخفيف المحيطة بكلمة (حياة) .
من فتحة النافذة الصغيرة، كما يحدث
كلُّ يوم، يمكنني التحديق لساعات طويلة في قطعة زرقاء مستطيلة، والدخول، بلا بطاقة
ائتمان، إلى عالم واسع، أول ما يفعله بي هو التهامي دفعة واحدة، بلا أقساط.
لا أعرف بالضبط ما الذي يجري، لكن كل
الوجوه المعلَّقة في الضباب، بعيونها
المنتبهة وأفواهها المتأهِّبة، تلتقط تجوالي
الحي، في شوارعه الخالية، بصحوي المتعثِّر، وأفكاري غير المكتملة التي
تحلِّق، وتدور مثل طيور بيضاء ضائعة في الفضاء، جاهزة للتلاشي، جاهزة للوداع،
تسقطها الخدع البسيطة؛ طُعْمًا لصمتي المهرول، بسيقانه الطويلة إلى ملاعب الخيال
التي تحوَّلت، بلا مقاومة إلى مرقص ليليّ.
أنا هنا مع صوتي الذي يحاول أن يكون
أحدًا: آه أيتها الموجة الهادرة، أيتها الحياة الغامضة، أيتها الكلمات البعيدة،
خذيني إلى هوايتي الأثيرة، وأَلقي في نفسي عزم الصيَّادين؛ لالتقاط هذا الدوران
الكامل، بهيئته المُغوية، وتفكيك لغته الصاخبة المحتالة، قبل غروب الشمس.
لن تجدني على مواقع التواصل، لا أعرف
السبب وراء ذلك؛ لأجيب، ربما نسيان كلمة السر المتكرِّر، ساعَدني كثيرا على حمل حقائبي، والبحث عن مواقع أخرى.
كنت في ما مضى، أدخل كمن يتفقّد حيًّا
سكنيًا مزدحمًا بالأمل والنفايات، بإحساس السجناء الهاربين للحرية، بإحساس المرضى
الذين يخرجون للشمس؛ لتتذوق جلودهم طعم الضوء، بإحساس المخطوفين الذين أُطلق
سراحهم، بصفقة مالية، بإحساس المتحرِّرين من قيود الوظيفة، بإجازة سنوية، بإحساس
المنفيِّين الذي عادوا إلى أوطانهم فجأة، بإحساس الشعراء المُستَلْقين بترف على
سرير من العشب في الهواء الطلق ، بإحساس اللص الذي خرج من المزرعة الكبيرة بسلَّة
فارغة.
أحبُّ وأكره، أتأمّل، وأتألّم ، تتساوى
أوقات اللذة مع المرارة، مع المتعة، مع الشغف، مع رغبة الاختفاء الأبديّ، وإن حدث
ولمحتَ في طريقك صوتًا يتردّد، هنا أو
هناك، ستسجِّل حضورًا متقطِّعًا ومشوَّشًا، أغلب الأحيان، لكائن ضبابيٍّ، لا شكل
له، ولا معنى، ولا طائل منه، على الإطلاق .
لن تجدني أيضًا في لمَّة عائلية، أو
حفلة شواء، أو ميلاد، أو جلسة ليلية مع الأصدقاء، الهاتف أيضًا أصبح عادة سيئة،
أُقلع عنها بالتدريج.
أين أذهب؟ لا أعرف مدارات الغياب تسحبني، والتجديف
نحو اللاشيء لعبتي المفضَّلة، كلُّ الأيدي التي لمستْ صوتي البارد، في هذه الرحلات
اليومية لمستْ طيفًا ،طريقا طويلا لا يؤدِّي إلى بيت، برقًا خفيفًا يضرب
ليلًا، أرضًا فارغة، بلا كهرباء، لكن
روحي، الآن، مثل هذا الصباح الهادئ الذي يعبُر بموسيقاه الخفيفة تأمُّلات اللامتناهي
في الأفق، مثل حبّات المطر الصغيرة المتراقصة بخفّة على أرضية المَمْشى، مثل كلمة
السعادة التي
تضيء وتنطفئ، بين الغيوم والعصافير ونسمة الهواء الرقيقة
برنامج #في_هواء_الكتابة حلقة الأربعاء 22 أبريل 2020 م
رابط الحلقة على برنامج الساوند كلاود
تعليقات