الجرائمُ الصامتة :



الجرائمُ الصامتة :

مهامِّي اليوميَّةُ لا تنتهي
لديَّ ما يكفي من الأيدي الخَشِنةِ والأرواحِ الشِّريرة
لِخلْقِ الرُّعبِ، وتفشِّي الأحزان
حريَّتي لا تُحدِثُ صوتًا
لا يشعرُ بمرورِها أحد
تدخلُ، وتخرجُ مع الهواءِ والأشباح؛
 لتدبيرِ احتياجاتِها اليوميَّة
 تأكلُ كما تشاءُ، وكيفَ تشاء
قابلةٌ للتبدُّلِ السَّريع،
من نيرانٍ مستعرةٍ، إلى طائراتٍ حربيَّة،
 إلى جزئيَّاتٍ صغيرةٍ، لا مرئيَّة
 يمكنها تناولُ غاباتٍ ضخمة
بكلِّ محتوياتِها الحيَّةِ والنابضة
في غضونِ ساعاتٍ قليلة
 ما الذي يمنعُها، مثلًا،
 من تحويلِ بلدٍ آمنٍ
يركضُ أطفالُهُ بحريَّةٍ في الحدائقِ العامَّة،
 وتشهدُ مختبراتُه ومدارسُه ومستشفياتُه
 ومَنصَّاتُه الثقافيَّةُ والاقتصاديَّةُ نشاطًا مُبشِّرًا بمستقبلٍ ذهبيّ،
 إلى كَوْمةٍ من الغبارِ والنُّفايات؟
لم يعدِ العشبُ أرضًا صالحةً للَّعِب
 الريحُ التي تهبُّ على الأشجارِ بصوتِها العالي
 تُحصي أعدادَ القتلى
النَّحلُ الذي يَطِنُّ على التُّوَيْجات
 أغاني الأمَّهاتِ الغائبات
 المطر
 مذكِّراتُ الأطفالِ الذين دهَسَتْهُم
كِذْبةُ العالمِ وهم نائمون
 قوسِ قزحَ
 رسائلُ العشَّاق الذين دخلوا الحربَ ولم يعودوا.
"لنْ نهنأَ بالرَّاحةِ فالحاضرُ أبديّ "*
عنوانٌ واحدٌ لكلِّ الطرقِ الجديدةِ التي تخرجُ يوميًّا من البيوت.
 علينا أنْ نضحك
 أن نضحكَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى
أن نضخَّ رئةَ الحياةِ بغازِ أُكسيدِ النيتروز
علينا أن نفعلَ ذلكَ الآن؛
نشعلَ المسارحَ بالرَّقص
 البيوتَ بالغناء
 الحدائقَ والشواطئَ بالعشَّاق
سنموتُ بضربةٍ خاطئة
برصاصٍ عشوائيّ
 بسرعةٍ غير متوقَّعة
سنموتُ، ونحنُ نمشي، واقفينَ، أو نائمين.
 القنابلُ والصواريخُ لم تعدْ حلًّا مناسبًا
لقتلِ المستقبلِ والأحلامِ الكبيرة
 أيَّها الأملُ، لا تسقطْ سريعًا
نظِّفْ رئتيكَ بصابونِ المتفائلين،
 لا تنتظرْ أحدًا
قفْ وحدَك
مستقيمًا فاردًا ذراعيكَ،
وسْطَ هذا الشارعِ الطويلِ الفارغ،
واصرُخْ بأعلى صوتِك :
الآنَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، أريدُ أن أختفي، أن أكونَ شفَّافًا، ما وراءَ الأبديّة"” *.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحوار الذي أجراه معي الشاعر صالح العامري في برنامج (في هواء الكتابة )

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم