هل تراودك فكرة إنقاذ العالم؟

هل تراودك فكرة إنقاذ العالم؟

فتحيَّة الصقريَّة
هَبْ أنك قرَّرتَ، اليوم، بشجاعة، وأقلعتَ عن عادةٍ سيِّئة؟
قرَّرتَ أن تخسر متعتك اللذيذة، قرَّرتَ أن تتوقَّف عن اللعب؛ لتعترف أخيرًا أن اللعب بقلبِ كائنٍ بشريٍّ عادةٌ سيِّئة للغاية، إتلاف الفرح بفظاظةِ الأسئلة الفارغة، والاعتراض على طريقة حياة أحدٍ، بالكاد تعرفُه.
قرَّرتَ أن تؤمن بما قاله الأميرُ الصغير: "لا يُحسِن المرءُ الرؤيةَ إلا بقلبه؛ الجوهر خفيٌّ عن الأنظار" شارحًا لذاتك المريضة سببَ استخدام بعض الناس أدواتٍ سحريَّةٍ وثمينة، مثل: السعادة، الرُّوح المَرِحة، الجمال الإنسانيّ؛ لتغذية أيَّامهم وحمايتها من الجفاف.
... إنْ عدتَ إلى ماضيك، فستشعر بالرُّعب، حتمًا، ستصرخ من هول الصَّدمة.. هل تعلم أن كلَّ هذا قد حدث في غيابِ روحك الجميلة التي لم تلتفتْ لها يومًا؟
انظر.. هناك شيءٌ واحدٌ لن تفهمَه، وأنتَ تسير مدفوعًا بالرَّغبة، بتلك الرَّغبة السخيفة؛ لتحرير شعورِكَ بالغَيْرة، لتحرير شعورك بأنك تمتلك شيئًا، ومن حقَّك الحفاظُ عليه، أنك كامل، ولا نقصان فيك، أنك وحدَك على صواب، والآخرون على خطأ، وأن كلَّ شيء يقع تحت سيطرتك هو لك. سامحني أنت تدافع عن وهم يرتدي بزَّةً أنيقة بنجمتين على الكتف، وساعة ذهبيَّة معطَّلة على معصم يده، تدافع عنه باستماتة؛ ظنًّا منك أنه حقيقة.
عليك، أوَّلا، أن تجد نفسك، أنْ تجرِّب الغطس في الأماكن المظلمة، أنْ تفتح طريقك بشمس يقينك، ستعثر على أشياء جميلة، صدَّقني، أشياء مدهشة تعلِّمك السَّيْر في ذلك الطريق البعيد، طريق أساتذة الفكاهة، وصُنَّاع البهجة، ابدأ الآن، وقُلْ وداعًا للعبث، بطرد فكرة وضع يدك على حياة غيرك، ابدأ بإنقاذ روحك، روحك الغارقة، منذ عقود في بحر ميِّت..
حسنًا، سأقول لك شيئًا:
لماذا تظنُّ أن مَن يصرُّ على استقبال الحياة بطريقته الخاصَّة مخطئ، بالذات عندما يستقبلها بصورة تختلف كليًّا عنك كصورة باعثة للسرور، مثلاً؟
قلتَ مرَّة أنك واحدٌ من أولئك الذين تربَّوْا على يد القسوة، وعاشوا، طوال حياتهم، تحتَ سلطة الخوف من الوضوح، والكشف عن حقائق ملاحقة الضَّحك وقتله، كنت واحدًا ممَّن أسهموا بتكميم فم المحبَّة، وتدمير شجاعتها؛ لذلك تبدو لك تصرُّفاتٌ كهذه غريبة، وغير لائقة.
حسنًا، أنا أرى أنَّه يفعل ذلك؛ ليُسعِد نفسه، أوَّلا، ثمَّ ليقول للحياة: أنت جميلة، وأنا أحبُّك، ثالثًا؛ ليبثَّ رسائل روحه المرحة للحزن، وللواقع المرير، هكذا بشكل يوميّ، ومثير للدَّهشة -وليس مثيرًا للشفقة- ليقعا معًا في الحيرة والشكِّ عن جدوى أعمالهما الشِّريرة التي تهتمُّ بتخريج دفعات سنويَّة هائلة من مشجِّعي اللون الأسود، والذئاب والطحالب والصخور الصَّماء، رابعًا: لماذا لا أترك النَّهر يسير بسلاسته المعهودة؟ بجماله الملاحظ عن بُعد؟ بهيئته التي تعكس روحه؟ لماذا أراهُ بعينٍ صمّاء، وأكون سدًّا منيعًا لطّلاب السلام؟
إن طريقته في استقبال الحياة تدعوك لزراعة الزُّهور على الشُّرْفة، بألوانها المتعدِّدة: أحمر، أبيض، أصفر، بنفسجيّ، ورديّ، تدعوك للعناية بمصادر المياه النظيفة، تدعوك لبثِّ رسائل عاجلة؛ لإنقاذ شيءٍ ما قد لا تراه. شيئًا جميلًا، لكنه يائس، وعلى وشك أن يموت.
أنْ تحمل صورتُك اليوميَّة طابعًا احتفاليًّا، يعني أنك تعمل بجِدٍّ؛ لاستعادة شيءٍ مفقود، يعني أنك ضدَّ طمس الهويّات، يعني أنك تدير ظهرَك لوجه العالم القبيح، وثرثرته التي أصبحتْ بحراً أحمر، تغطِّي سطحَه الجثث.
بالطبع، سيهمُّك جدًّا أن ترى مريضًا يتماثل للشفاء بسببك، أو حزينًا غارقًا في حزنه يبتسم فجأة بسببك، أو يائسًا على وشك أن ينتحر يلتفت اليك مأخوذًا بجاذبيَّة الحياة، سيهمُّك، أيضًا، أن تربِّت برقَّة على قلب خائف، يهمُّك أن تكون قادرًا على صناعة اللحظات الجميلة مع مَن حولك، هكذا كمَن يسير ويحلم، وفكرة إنقاذ العالم ترنُّ في باله، على الدوام.
ثم توقَّعْ أن يأتيك سؤال مثل هذا، بعد تعافيك.
أنت لست مشغولًا بالحرب، لست مشغولا بالدِّفاع عن الكراهية، لست مشغولًا باستعراضات يوميَّة رتيبة -باعثة للغثيان؛ للفوز في هذا السِّباق.. لماذا؟
لأنَّني حريص على الوقت، على عدم إضاعته في أشياء مهمَّتُها الأولى بثُّ الرُّعب، وإشاعة الفوضى، وخلق عالم مشلول، عالم لا يحقِّق شيئًا، غير الدمَّار الكامل لحياة الإنسان. ما الذي سأجنيه، مثلا، عندما أرسل صورًا تؤكِّد وحشيَّة العالم، أو رسائل عن أخبار مزعجة، أو مقلقة، أو مرعبة؟ لا يوجد سببٌ واحد يدفعني لإخافة أحد، أو إرباك ساعات راحته، أو ايقاظ قلقه، أو إبطال مفعول سرَيان الحبِّ في دمه، بأخبار الموت والكراهية والحوادث.
ولأنَّ قلبي مشغول بالمحبَّة، مشغول بتربية أصواتها الحرَّة، برسم صورها البديعة، مشغول بالبحث عن الجمال، مشغول بإعادة الاعتبار للضَّحك.
ولأنَّني انضممت حديثًا لأثرياء بارعين في تربية اهتمامي، يوفّرون وقتًا لحياكة قصص الجمال والبهجة، قصص الألوان والمرح، ولا يكفُّون عن تعليم أنفسهم، عبر دروس النظر للحياة، من نوافذ الإحساس، عن قيمة الأشياء الجميلة، من نوافذ الوعي والإدراك، عن ثراء الرُّوح الإنسانية، ومن نوافذ المحبَّة.
 
 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحوار الذي أجراه معي الشاعر صالح العامري في برنامج (في هواء الكتابة )

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم