عن العنوان وموقعه وقيمته في القصيدة


عن العنوان وموقعه وقيمته في القصيدة، هنا عينة تطبيقية في مقال في (الصباح)..







   

ثمة ما هو مضاع

   

الكاتب: عبد الزهرة زكي

02/10/2014 12:00 صباحا

مرّتين قرأت قصيدة فتحية الصقري (شاعرة من عُمان) وبمناسبتين مختلفتين. في المرة الأولى لم أتردد وعبرت مباشرة عن محبتي للقصيدة، بينما في الثانية، وكانت بعد أشهر على المرة الأولى، بقيت حائراً في داعي تعاطفي الأول مع القصيدة، ثمة شيء مضاع في النشر الثاني حتماً.
بقيت قلقاً حتى استفسرت من الشاعرة نفسها، فأوضحت الأمر لي فازددت إعجابا بتجربة القصيدة التي أسقط منها في النشر الثاني عنوانها (ثلاث قصائد).
بمثل هذه القصيدة يمكن أن يكون العنوان روح القصيدة كلها.
جرّب عزيزي القارئ أن تقرأ القصيدة ناسياً العنوان ما أمكنك ذلك. لا أتوقع لك نتائج سوى تلك التي وقفت عندها؛ ثمة شيء ما مضاع.
يقدّم الشعر في ضوء منطقه الخاص (منطق الشعر) إقناعاً يكفي ليبدو اللا معقول معقولاً، كما يكفي ليبدو المعقول لا معقولاً. بمنطق الشعر لا تقوم القصيدة، أية قصيدة ناجحة، إلا باقناعنا بالجانب المألوف في عمق ما هو غريب وبما هوغريب كامنٌ في كل ما هو مألوف.
وفي قصيدة الشاعرة، وهي تقدم بوحاً شفيفاً يمتزج فيه التداعي الداخلي بخطاب موجه لحبيب غائب، لا يكتمل الإقناع من دون وجود عنوان القصيدة، إنه وجود عضوي متداخل مع متن النص بحيث يبدو العنوان مجرد خطأ، إن لم تقرأ ذلك المتن، بينما المتن هو الآخر يظل يعاني نقصاً ما يعترض أية محاولة للوقوف على فحوى للنص ما لم يتصدره العنوان.
المرة الأولى التي لاحظت فيها القصيدة، ولم أكن بعد قد قرأت سوى عنوانها، حسبت أن خطأ ما قد جعل القصائد الثلاث متداخلة مع بعضها، أو ربما ثمة خطأ حذف اثنين من القصائد وأبقى على واحدة من دون أن يغير في العنوان. لكن القراءة والدخول في المتن كانا كافيين لملاحظة هذا التداخل العضوي بين العنوان والمتن.
في النشر الثاني، وقد وقع المصمم ربما ضحيةً لعدم دخوله المتن واكتفى بقراءة العنوان، أو ربما كان قد قرأ المتن ولم يدرك طبيعة هذه العلاقة الحيوية بينهما، توقّعَ أن العنوان (ثلاث قصائد) ينطوي على خطأ من حيث أن القصيدة التي أمامه واحدة، وهي حقاً واحدة، مما الجأه إلى حذف العنوان، لتظل القصيدة مبهمة بالنسبة لي في القراءة الثانية التي جاءت بعد أشهر على قراءتي الأولى لها.
ولكن لماذا حملت القصيدة عنوان (ثلاث قصائد) فيما هي قصيدة واحدة؟
يتوجه الخطاب في القصيدة نحو الحبيب الغائب، يبين السرد الشعري أن ثلاثة أطفال ولدوا خلال أسبوع غاب فيه. من الواضح أن زمن القصيدة يفصح عن أنها كُتبت بعد اليوم السابع، وهي نفسها (القصيدة) تستبق المتلقي من حيث حيرته بمثل هذه الولادات فتعلن (سبعة أيام فترة قصيرة/ لولادة ثلاثة أطفال)، وهم أطفال تستغرق الشاعرة في الافصاح عنهم بجمال عذب، ولكن أي أطفال؟ إنهم ثلاث قصائد انجزتها الشاعرة في سبعة أيام الغياب.
الشعر هو أكثر من عزاءٍ، أنبل من تعويض مقدس في الغياب، وأبهى من ولادات تتفتح على حياة أقفلها الفراق.
القصيدة الرابعة التي تتحدث عن ميلاد القصائد الثلاث هي الثمرة التي بين يدي القارئ وهي التي تتداخل بوحدة سريّة مع تلك القصائد وليدة الغياب، وحدة تمر من خلال البوابة العنوان الذي ما كان للقصيدة أن تكون بالقيمة التي هي عليها من دونه.
إنه واحد من أكثر العناوين تقليدية كلما كان ظهر فوق ثلاث قصائد يختارها شاعرٌ ما لينشرها، بينما هو هنا عنوان ذكاءٍ واضح وإلماحيةٍ لافتة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم

ليستْ كلُّ الأشياءِ مسلّية