عن المرأة والكتابة




التخلص من أزمة الوقوف على السطح تحتاج إلى مهاراتِ إقناعٍ عالية وشجاعة؛ لتوفير جرعات كبيرة من الإيمان بأن الأعماق تشتهر بالجماليات والأشياء النادرة، ورؤيتها ولمسها يعني اختفاء ألمٍ ما، ولأن أهم الأدوات غير متوفرة بسبب انخفاض منسوب الأمل في الإرادة واستباق وقوع اللاجدوى فلا يزال السطح يشهد حضورًا غفيرًا منشغلا بنباهة تامة بكل ما هو بعيد وسطحي وغير مهم، ويمكن استخدامه فقط لإشاعة الفوضى والتفرقة والعنف والتشدد، وإن عشت تمامًا في قلب الوضع الآن فالنظرة هي ذاتها لم تغير ثيابها منذ زمن طويل، ووجهها المجعد والمكفهر هو ذاته؛ فهل حقًا قامت ثورات لتطهير الفكر الملوث ببكتيريا الخرافات؟

بالطبع، لا؛ لأننا عدنا إلى الوراء، ولم نحقق شيئًا يذكر، ولم نتقدم خطوة، وكل ما هو واضح وجلي الآن هو الخراب بابتسامته العريضة مُزيَّنًا بالأفكار السوداء التي تقف تحت الضوء مباشرة بمنجلها الحاد، للتصدي لأي نبتة جديدة تريد أن تكون خضراء ونضرة ومتفردة بألوانها.

ولن أبالغ ان قلت إننا نعيش نحن النساء منذ الأزل حياة واحدة موزعة على الجميع بالمقاس نفسه واللون نفسه، والحرية ليست سوى مفردة تتناقلها الأفواه ويرسمها المراهقون بزخرفة متقنة على الدفاتر، ومواقع التواصل هي حاضرة نعم، لكنها مخدّرة، وتستخدم للزينة فقط.

وكل ما يُشاع أننا نمتلك طريقتَنا الخاصة في العيش هي دعاية كاذبة تُتداول بسذاجة، وحتى هذه اللحظة عندما أقف أمام عبارة سيمون دي بفوار"المرأة تولدُ إنسانا، ثم يجعلها المجتمعُ امرأة" يتنابني على الفور شعورُ ذلك السجين المتَّهم ظلمًا بالقتل، وهو يُساق مقيدًا إلى المشنقة ..لكن رغم هذا كله فمحاولةُ التصدي والخروج من عقد المجتمعات والفكر المُؤدلج من قبل المرأة مستمرة في كل مكان وبطرق مختلفة، قد تكون عن طريق الفن بكل تنوعاته: التمثيل الرقص الموسيقا الغناء الرسم الكتابة، وقد تأتي الصرخة عالية ومدوية وصادمة مثل حركة "فيمن" وكل هذا نتيجة ما تتعرض له المرأة من محاولات إقصاء وتهميش وقمع وظلم وتخصيص أدوار معينة لها في الحياة. التيارات المتشددة ما زالت تمارس هوايتها المفضلة لطمس هوية الذات الحقيقية التيارات التي لا تؤمن بالاختلاف وحرية الرأي.المرأة في عالم هؤلاء مهدَّدة ومضطهدة، إن خرجت عن حدود ما يُرسم لها.
أن نختار للآخرين شكلا جاهزا للحياة هو عمل لا إنساني لذلك لا أستطيع إلا أن أكون ضد المد الديني بكل أشكاله المخيفة الحالية، و ضدَّ أيِّ فكرٍ يتولّى قيادةَ حياةِ الناس بالكرباج، ضدَّ أيِّ فكر يحوِّلُ حياةَ الإنسان الى مادةٍ إعلانيةٍ لديانةٍ أو طائفة.

وأيضًا هنالك جانبٌ آخر يمسُّ المرأة المبدعة، وأود أن أقول إن العمل الابداعي نتاج فكر إنساني حمله عقلٌ مشبع بالضوء وروح تعرف كيف تلمس اللامرئي. التصنيفات تجرح فكرة التحرر فعندما نقول"أدب نسوي" أشعر بأن خللاً ما قد حدث. إن هموم الكاتبة هي هموم غير منفصلة عن هموم الكاتب؛ لأنها تنطلق من منطقة واحدة يجلس فيها الإنسان منذ بدء الخليقة، ولا يمكن النظر أيضًا للجميع بشكل متساوٍ، كحزمة منسقة هناك اختلاف في الرؤية الفكرية والجمالية والفلسفية وهناك الجيد والرديء..الكاتب والكاتبة شريكان في فضح العالم السري، وكل منهما شاهد على انهيار السد الفاصل بين الداخل والخارج، إنهما ينطلقان من نقطة واحدة، لكن لكل منهما طريقته الخاصة في صناعة المشهد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحوار الذي أجراه معي الشاعر صالح العامري في برنامج (في هواء الكتابة )

حوار مع جريدة الحياة

صباحُ الخيرِ، أيُّها العالم